الفلسفة تفكير في الحياة إن الفلسفة - عندي - ترجمة فكرية لتجربة روحية وقد تكون تلك التجربة دينية أو ميتافيزيقية أو أخلاقية أو جمالية أو سياسية إلخ .... وإني لأستعمل كلمة " روحية " في معناها الحق ، معنى الانفتاح على الذات وعلى الآخرين وعلى العالم ، وأستعملها لأجعلها مقابل الحميمية والاستبطان ، إذ أن ما نفسي هو منبع كل خطإ وكل زلل ، فالفلسفة ليست خلاقة بل هي تفكير في تجربة الإنسان المعيشة بتمامها، وإني لأقبل عن طواعية جملة برنشفيق التى يقول فيها إن التاريخ مخبر الفيلسوف شرط أن نأخذ التاريخ علي أنه التاريخ الفردي ( إذ يمثل كل فرد تاريخا قائما بذاته ) بقدر ما هو التاريخ العام . فأن يزعم المرء أنه يتفلسف الوقت كله ، فذاك صنيع " المثقف الهائم "، ومهما أتى النّاس من الأعمال فإنهم يفكرون ليفعلوا ما يفعلونه ، ويفكرون وهم يفعلون ، فالفيلسوف إنسان كسائر الناس ، يفكر أولا عند مشاركته الناس أعمالهم ومقاسمتهم عناءهم ، غير أن العودة إلى تلك الفكرة المباشرة التلقائية والتفكير فيها لاكتشاف معناها أو لإكسابها معنى، هو التفلسف ، إذ الفلسفة تحويل الحدث بالفكر تجربة، إذ ما أخذنا الحدث في معنى المعطى الخام أو الحدث أو الوضع التاريخي أو الجهد الذي نبذله لنحيا ونفكر أو كل ما يعرض لنا ظاهرا وباطنا، وإذا ما أخذنا التجربة المأخذ نفسه ، ولكن بعد أن تدبرها الفكر فغدت بتلك العملية ذاتها محتوى ذا دلالة. فللحقيقة الفلسفية تلك الصبغة المزدوجة، صبغة كونها شخصية وكونية، وهي في الآن ذاته تسمو بالشخصية إلى مستوى الكونية العينية.